هل حديث الطفل مع نفسه طبيعي؟.png)
يُعدّ تكلم الطفل مع نفسه ظاهرة شائعة ولافتة للنظر في مراحل الطفولة المبكرة، إذ قد يلاحظ الأهل والمعلمون الطفل يتحدث بصوت مسموع دون أن يكون موجّهًا كلامه لأحد. وقد يتساءل الكثيرون عمّا إذا كان هذا السلوك طبيعيًا أو يدعو للقلق. في الواقع، يعكس هذا التصرف جانبًا مهمًا من النمو العقلي والنفسي للطفل، حيث يشير في كثير من الأحيان إلى تطور قدراته اللغوية والتخيلية وتنظيمه لأفكاره ومشاعره. وبينما يُعد هذا السلوك في الغالب طبيعيًا وصحيًا، إلا أن هناك حالات قد تستدعي الانتباه.
وفي هذا المقال، نسلّط الضوء على هذه الظاهرة، ونستعرض أسبابها، وفوائدها، ومتى يمكن اعتبارها مؤشرًا لمشكلة تستوجب التدخل.
أولًا: تعريف ظاهرة تكلم الطفل مع نفسه
1. ما المقصود بتكلم الطفل مع نفسه؟
يعتبر تكلم الطفل مع نفسه سلوكا يظهر عندما يتحدث الطفل بصوت مسموع دون أن يوجّه حديثه لشخص آخر. وقد يتحدث أثناء اللعب، أو وهو يفكر، أو حتى خلال أداءه لمهام يومية. بحيث يُعدّ هذا النوع من الحوار الداخلي المنطوق مرحلة طبيعية في النمو العقلي واللغوي لدى الأطفال، ويُعرف أحيانًا بـ"الكلام الذاتي" أو "الحديث الموجه للذات".2. مدى انتشار هذه الظاهرة بين الأطفال
هذه الظاهرة شائعة جدًا، خصوصًا في المرحلة العمرية بين 3 إلى 7 سنوات. وتشير الدراسات إلى أن معظم الأطفال يمارسون هذا السلوك بدرجات متفاوتة، خاصة أثناء اللعب الفردي أو التخيلي. ومع التقدم في السن، يتحول هذا الحديث إلى تفكير داخلي صامت، لكنه يظل موجودًا بشكل غير ملحوظ.3. الفرق بين الحديث مع النفس والاضطرابات النفسية
من المهم التمييز بين الحديث الطبيعي مع النفس وبين العلامات التي قد تشير إلى اضطراب نفسي. فالحديث مع النفس يكون غالبًا مرتبطًا بلعب الطفل، أو تنظيمه لأفكاره، أو تفاعله مع مواقف معينة. أما في حالات الاضطراب، فقد يكون الحديث مع النفس مصحوبًا بسلوكيات غير اعتيادية مثل الانعزال التام، الحديث مع شخصيات وهمية بشكل دائم، أو وجود صعوبة واضحة في التواصل مع الآخرين. في هذه الحالة، يُنصح بمراجعة مختص نفسي لتقييم الحالة بدقة.ثانيًا: الأسباب والدوافع وراء تكلم الطفل مع نفسه
1. التطور اللغوي والنفسي الطبيعي
يُعد الحديث مع النفس جزءًا من مراحل النمو الطبيعي لدى الأطفال. فعندما يبدأ الطفل بتعلم اللغة والتعبير، يستخدم الحديث مع نفسه كوسيلة لتجريب الكلمات، وتكرار العبارات التي يسمعها، مما يساعده على تطوير مهاراته اللغوية والتواصلية.2. اللعب التخيلي والإبداعي
يستخدم الكثير من الأطفال الحوار مع أنفسهم أثناء اللعب التمثيلي أو التخييلي، حيث يتقمصون أدوارًا مختلفة (كالأم، الطبيب، المعلم...). هذا النوع من الحديث يساعدهم على بناء قصص، وحوارات، وتصورات تعزز من قدراتهم على التخيل والإبداع.3. تنظيم التفكير والسلوك
الحديث مع النفس يساعد الطفل على توجيه سلوكه وتنظيم خطواته أثناء تنفيذ المهام، كأن يقول: "سأرسم أولًا، ثم ألون" أو "عليّ أن أرتب ألعابي". هذه العبارات تعكس تطور القدرة على التخطيط والتنظيم الذاتي.4. التعبير عن المشاعر الداخلية
في بعض الأحيان، قد يجد الطفل في الحديث مع نفسه وسيلة للتعبير عن الغضب، الحزن، أو الفرح، خاصة إذا لم يجد من يصغي له في تلك اللحظة. هذا يُعدّ تنفيسًا نفسيًا صحيًا يُساعده على فهم مشاعره والتعامل معها.5. تقليد الكبار أو المحيط
يُقلّد الطفل أحيانًا ما يسمعه من البالغين، سواء في طريقة الحديث أو في المواقف اليومية. وقد يتكلم مع نفسه بنفس أسلوب والديه أو معلميه كجزء من عملية التعلم بالملاحظة.ثالثًا: الفوائد النفسية والمعرفية لتكلم الطفل مع نفسه
1. تعزيز مهارات التفكير وحل المشكلات
عندما يتحدث الطفل مع نفسه، فإنه في الحقيقة يُفكر بصوتٍ عالٍ. هذا يساعده على تنظيم أفكاره، وفهم المواقف التي يمر بها، والتوصل إلى حلول للمشكلات الصغيرة التي يواجهها، مثل كيفية بناء لعبة أو اختيار لون مناسب للرسم.2. تنمية اللغة والتواصل
الحديث مع النفس يوفّر للطفل فرصة لتجريب مفردات جديدة، وتكوين جُمل، وتكرار العبارات، مما يسهم في تحسين مهاراته اللغوية وقدرته على التعبير بطلاقة.3. ضبط السلوك وتنظيم الذات
يستخدم الطفل الكلام الذاتي كوسيلة لتذكير نفسه بالقواعد أو لتوجيه تصرفاته، مثل أن يقول: "لا تنسَ أن تغسل يديك"، أو "لا يجب أن أصرخ". هذا النوع من الحديث يُظهر بداية تطور الوعي الذاتي والانضباط الداخلي.4. دعم الاستقلالية والثقة بالنفس
عندما يتحدث الطفل مع نفسه أثناء اللعب أو تنفيذ المهام، فإنه يُظهر ميلًا للاعتماد على ذاته بدلاً من انتظار التوجيه من الآخرين، مما يعزز من شعوره بالاستقلال والثقة في قدراته.5. تفريغ المشاعر والتخفيف من التوتر
الحديث مع النفس يُعد أحيانًا وسيلة لتخفيف التوتر أو القلق، حيث يُعبر الطفل من خلاله عن انفعالاته بطريقة آمنة وسليمة، مما يُساعد على تعزيز الصحة النفسية.رابعًا: متى يكون الحديث مع النفس مؤشرًا للقلق؟
رغم أن تكلم الطفل مع نفسه غالبًا ما يكون سلوكًا طبيعيًا ومرحلة من مراحل النمو، إلا أن هناك بعض الحالات التي قد تستدعي الانتباه أو استشارة مختص نفسي. ومن أبرز المؤشرات التي تستوجب القلق:1. استمرار الظاهرة بشكل مفرط بعد سن السابعة
إذا استمر الطفل يتحدث مع نفسه بطريقة مفرطة وبشكل دائم بعد سن السابعة، خاصة في مواقف لا تستدعي ذلك أو أمام الآخرين بشكل غير طبيعي، فقد يكون هذا السلوك علامة على حاجة الطفل للدعم النفسي أو التربوي.2. اقترانه بسلوكيات غير معتادة أو انعزالية
إذا كان الطفل يتحدث مع نفسه بصورة متكررة ويظهر عليه الانعزال الشديد، أو إذا كان يفضل الحديث مع "شخصيات وهمية" بدل التفاعل مع الناس من حوله، فقد يشير ذلك إلى اضطراب في التواصل الاجتماعي.3. الحديث مع نفسه يتضمن أصواتًا أو شخصيات غير واقعية
في حالات نادرة، قد يتحدث الطفل مع "أصوات" يسمعها أو يتفاعل مع "أصدقاء غير مرئيين" بطريقة مبالغ فيها. إذا ترافق ذلك مع تراجع في الأداء الدراسي أو تغيرات حادة في السلوك، فيُفضّل استشارة أخصائي نفسي لتقييم الحالة.4. صعوبة في التفاعل مع الآخرين
إذا بدا أن الطفل لا يستطيع الانخراط في المحادثات العادية أو لا يستجيب للمحيطين به بشكل مناسب، وكان يفضّل الحديث مع نفسه باستمرار، فقد يكون ذلك مؤشرًا على وجود صعوبة في التواصل أو اضطراب نمائي كالتوحد.خامسًا: دور الأسرة والمربين في التعامل مع ظاهرة تكلم الطفل مع نفسه
إنّ استجابة الأهل والمعلمين لهذه الظاهرة تلعب دورًا كبيرًا في دعم الطفل أو زيادة قلقه تجاه نفسه. ومن المهم أن يكون التعامل مع الحديث الذاتي مبنيًا على الفهم والتوازن، وليس على التسرع أو القلق المفرط.إليك أهم الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الأسرة والمربين: